حشد الجهود من أجل إحلال السلام في السودان
في شارع جانبي يعلوه التراب في مدينة أم درمان الكبيرة، أنشأت "ماما" عائشة جمعة ملجأها. ما بدأته بعد سنواتٍ قليلة من تسريحها من الخدمة العسكرية كمركزٍ صغير لرعاية الأطفال للشباب المجاور ازدهر ليصبح شيئاً أكبر من ذلك. فبعد سنوات قضتها في تقديم خدمات داعمة لجهود الحرب قررت عائشة توجيه دعم النشاط الصغير الذي أقامته من برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج إلى تجديد مركزها الصغير.
ونتيجة لذلك، تحوَّل ما كان يوماً ما بناية مهجورة إلى منشأة متلألئة، فأضافت إليها فصولاً دراسية جديدة وزادت أعداد الملتحقين والتحق بالعمل بها مدرسان آخران للمساعدة في التعامل مع عبء العمل فيها. تتولى عائشة الآن إدارة الحضانة بمساعدة أربعة عاملين، وتقول عائشة: "وضعي الاقتصادي جيد، ودخلي يتحسَّن، بالإضافة إلى أن هذا المشروع قد سمح لي بتوظيف ثلاثة أفراد آخرين. المصروفات في متناول جميع الأسر، وها هي الحضانة تتسع، الأمر الذي يضمن مستقبلاً حقيقياً لمشروعي".
ثمة آلاف القصص مثل قصة عائشة في مختلف أنحاء السودان. فمن السهول القاحلة في شمال كردفان إلى الجبال الخضراء في النيل الأزرق، حافظ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج السودانية على وجودهما على أرض الواقع رغم الصراع الذي دمَّر قطاعاً كبيراً من الجزء الجنوبي للبلاد على مدار عام 2012.
لقد أشعل اندلاع الحرب مخاوف خطيرة بشأن مدى ملاءمة مواصلة برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن هذا البرنامج بوصفه محركاً للسلام قد نجح - إلى جانب مشروع أمن المجتمعات المحلية ومراقبة الأسلحة الصغيرة- في إثبات وجود بدائل قوية للعنف والحرب.
كشفت استقصاءات حديثة لتصورات المجتمع عما يقتضيه الحس السليم: أن الناس قد أرهقتها الصراعات وكذلك المعاناة المضنية وغياب الفرص. ورغم أن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج هو أداة يلزمها ما يكفي من الإرادة السياسية لتَرسخ تماماً، فإنها تظل تقوم بدور محرك السلام في أوقات عدم اليقين. قد يكون هذا البرنامج بارقة أمل في منطقة خيَّمَ عليها ظلام الحرب لمدة طويلة. وبحسب ما ذكره أحد أفراد المجتمع في جنوب كردفان أثناء أحد مشاريع التوعية التي قام بها برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان "حشد الجهود من أجل السلام"، فإن: "الطريقة الوحيدة لحل الصراع هي أن يصبح الناس على وعي بمجريات الأمور. يجب أن يجلسوا وأن يتحلوا بالشجاعة للمناقشة السلمية دون أسلحة. يجب أن ينحوا السلاح جانباً".
في عام 2012 وحده حصل ما يزيد على 13 ألف رجل وامرأة من مختلف الثقافات والخلفيات من شتى أنحاء البلد والذين ينتسبون إلى مختلف القوى على دعم اقتصادي لإعادة الإدماج.
كما حصل محاربون سابقون وأفراد المجتمع التابعون لهم على دعم اجتماعي لإعادة الإدماج من خلال التعليم المدني والدعم النفسي والخدمات الصحية والبرامج التدريبية لمحو الأمية. واستفاد الكثيرون من المناطق القروية كذلك بثماني عمليات تدخل قام بها مشروع أمن المجتمعات المحلية ومراقبة الأسلحة الصغيرة، مثل إقامة المدارس ومراكز المجتمع ونقاط التزود بالماء ومراكز الشرطة التي تقدم مزايا ملموسة للمجتمعات التي تختار بديلاً للصراع.
إن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وحده لن يستطيع مطلقاً حل الصراع في السودان أو إثناء المقاتلين السابقين تماماً عن حمل السلاح مرة أخرى. ولكنه بالقطع سيقدم بديلاً من خلال سبل المعيشة العملية وسيمنح الأمل للملايين من السودانيين الذين أنهكتهم عقود من الصراع وانعدام الأمن.
يرجع الفضل في برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للدعم السخي المقدم من حكومة النرويج وحكومة اليابان وحكومة إسبانيا وصندوق بناء السلام التابع للأمم المتحدة