الإصغاء للنساء هو المفتاح لتعافٍ منصف من جائحة كوفيد

خالدة بوزار الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

6 مارس 2021

صورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق


تَستحِق النساء في كل أنحاء منطقة الدول العربية ما يصبين إليه من مستقبلٍ متكافئٍ خالٍ من العنف والصراعات؛ مستقبلٍ شاملٍ ومستدام ٍوسلمي، يتمتع فيه الجميع بحقوق وفرص متساوية. ولكي نستطيع بلوغ مثل هذا المستقبل، يتعين على كافة الأطراف المعنية عبر المنطقة الاستماع إلى أصوات النساء على تنوعها، ودعم النساء على إيصال أصواتهن للكافة.

واليوم نحتفل باليوم العالمي للمرأة، والذي يأتي هذا العام تحت عنوان "النساء ودورهن القيادي: تحقيق مستقبل متساوٍ في عالم تسوده جائحة كوفيد-19" ليحتفي بما قدمته النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم من مساهمات هائلة في جهود التصدي للجائحة، والتعافي من آثارها، وتشكيل المستقبل ما بعدها ليصبح أقدر على تحقيق المساواة

وتكتسب هذه القضية أهمية كبيرة في منطقة الدول العربية، إذ تقدمت النساء الخطوط الأمامية للتصدي للأزمة، سواء من خلال عملهن كعاملات أساسيات في القطاعين الصحي والاجتماعي، أو مساهماتهن داخل أسرهن ومجتمعاتهن. لقد برهنت الأزمة بما لا يدع مجالاً للشك على الأهمية المحورية لمساهمات النساء، التي تظل غير مرئية في غالب الأحيان، والأعباء غير المتناسبة التي يتحملنها، إذ توجب عليهن مضاعفة الجهد في أعمالهن اليومية، وفي ذات الوقت تحمل وطأة الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الجائحة - في منطقة كانت النساء فيها تواجهن واحدة من أعلى نسب البطالة في العالم حتى قبل الأزمة، إذ بلغ معدلها 41.8 في المئة.

النساء يقدن التغيير

على الصعيد العالمي، أظهرت الأزمة أن البلدان التي شغلت فيها النساء مراكز القيادة الوطنية حققت ناجحات أكبر نسبيًا في المعركة الصعبة للحد من تفشي الجائحة والتخفيف من آثارها. وينطبق الشيء نفسه على الأصعدة المحلية بل وعبر مختلف المؤسسات، إذ تُبرهن المنظمات النسائية عمليا على امتلاكها المعرفة والقدرات اللازمة لتأمين نتائج أفضل للأفراد والمجتمعات.

وعلى الرغم من افتقار المنطقة العربية لأعداد كافية من النساء في مواقع صنع القرار في القطاع العام، لم يكن هناك نقص في الأمثلة لقيادات نسائية قوية دفعن على جميع المستويات نحو التغيير للأفضل خلال الجائحة.

فنجحت جماعات نسائية في الأردن في الضغط من أجل تخصيص حصة لرعاية الأطفال من قسائم المعونة التي تم توزيعها ضمن اجراءات الحماية الاجتماعية للاستجابة لجائحة كوفيد-19، وهي خطوة مهمة نحو الاعتراف الرسمي بالقيمة الاقتصادية لأعمال الرعاية.

وفي المغرب، تعاونت جماعات نسائية مع وزارة العدل على إطلاق برامج مبتكرة لتمكين النساء من الإبلاغ بأمان عن حالات العنف الأسري والحصول على الدعم.

وفي ليبيا، ساهمت شبكة من النساء بناة السلام في نشر الوعي بسبل الوقاية من الجائحة من خلال المحطات الإذاعية، وتعاونت مع شبكة أخرى تهتم بتقديم المساعدات القانونية لتوفير الأقنعة الواقية للسجناء وتوزيع الطعام وتوفير المعلومات الصحية للمجتمعات الهشة من المهاجرين واللاجئين.

أما في جيبوتي، فعملت وزارة المرأة على إقناع وزارة الميزانية بالإزالة الكاملة للضرائب المفروضة على منتجات النظافة الصحية الشخصية الخاصة بالنساء، وحفاضات الأطفال، وألبان الرضاعة الاصطناعية.


النساء يدفعن لتحقيق النتائج

ما تؤكده هذه الأمثلة هو أنه حين تُمَكَّن النساء من مختلف مشارب الحياة من إيصال أصواتهن والمشاركة في صنع القرار فهن يساهمن في إنتاج قرارات وسياسات وقوانين تعم فوائدها على الجميع.

وإذ نتقدم نحو المستقبل ما بعد الجائحة، فإن مفتاح هذا المستقبل هو الاستفادة الكاملة من الإمكانات القيادية للنساء التي ظهرت جلياٍ في التصدي للجائحة والاستجابة لها، بدءاً وقبل كل شيء من خلال الإصغاء للنساء والفتيات والاستفادة من بصيرتهن الثاقبة في تطوير السياسات والبرامج، بما في ذلك النساء ذوات الإعاقة اللائي تضررن بشدة من جراء الجائحة – وذلك كخطوة أولى نحو تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار على نطاق واسع.

لذلك نعمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبر المنطقة العربية وبشكل وثيق مع شركائنا والمؤسسات المساندة لعملنا والمساهمين الرئيسيين في تمويلنا الأساسي على الإصغاء لأصوات النساء، وتوفير فضاءات تُمَكِّن كافة للنساء من جميع المستويات والخلفيات والسياقات من إسماع أصواتهن حول كافة القضايا.

وتجسدت أحد أمثلة ذلك التوجه في الدراسة التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في منطقة الدول العربية للإصغاء لأصوات القواعد الشعبية من الناشطات في مجال المرأة والسلام والأمن من مختلف أرجاء العالم للتعرف على الأدوار التي يلعبنها في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية التي من شأنها أن تدفع قدما أجندة المرأة والسلام الأمن.

وبالمثل عكفت مبادرة المساواة بين الجنسين والقانون في منطقة الدول العربية التي نتعاون في تنفيذها مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) على دراسة وجهة نظر القيادات النسائية من جميع أنحاء المنطقة في هذه القضية الهامة، كما دخل مشروعنا الإقليمي لتعزيز الانتخابات في شراكة رائدة مع المنظمة العربية لهيئات إدارة الانتخابات من أجل تكوين وإطلاق الشبكة العربية للمرأة في انتخابات.

ولمواجهة زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع أنحاء المنطقة يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على المستوى القطري في الأردن ولبنان على تنفيذ مبادرات لاستكشاف وتعزيز أنماط "الذكورة الإيجابية". كما نعمل على تعزيز دور النساء في دعم مجتمعاتهن التي تواجه ظروف الأزمات والهشاشة، ومثال مبادرتنا لدعم مجموعة من النساء في اليمن لإنشاء وإدارة شبكات صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية توفر طاقة متجددة ميسورة التكلفة للمجتمع المحلي في بلد لا تتوافر الكهرباء لنصف سكانه، وتخلق في ذات الوقت فرص للنشاط الاقتصادية للنساء.

ترجمة الأقوال إلى أفعال لتحقيق التكافؤ بين الجنسين

بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنفسه حتى يضرب مثالا يحتذى به في جميع أنحاء المنطقة للقيادة من أجل تحقيق التكافؤ بين الجنسين، فسعينا ليكون تمثيل النساء والرجال في مستويات الإدارة العليا في صفوف قوتنا العاملة متساوياً. ومع ذلك يتوجب علينا أن نواصل الجهد الحثيث لإدماج المزيد والمزيد من النساء ذوات الخلفيات المتنوعة في كافة مستويات عملنا لنعزز حرصنا على أن تعكس أعمالنا الأفكار الجيدة للنساء على تعدد مشاربهن لتستفيد منها منظمتنا والمجتمعات التي نخدمها على حد سواء.

وإيلاء الأولوية لدعم النساء داخل صفوف منظمتنا هو أمر يهمني بصفة خاصة ويرتبط بتجربتي الشخصية، إذ أنني بدأت مسيرتي المهنية كموظفة في مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بلدي الجزائر، ووجدت داخل الأمم المتحدة فضاءاً رحباً من الفرص للنمو على المستوى المهني، وللمساهمة بالأفكار ولخدمة قضية التنمية المستدامة والشاملة.

وهذا المثال القريب من أحد مكاتب القطرية في المنطقة قد يسلط الضوء بشكل أكثر وضوحا على الارتباط بين التمثيل المتكافئ للنساء بين صفوفنا وتعزيز نتائج عملنا في خدمة المجتمع. ففي خلال المراحل الأولى من انتشار الجائحة، دعت مجموعة من الموظفات في مكتبنا في تونس إلى اجتماع افتراضي عبر الانترنت لتدارس أفضل السبل لدعم النساء المتضررات بشدة جراء الجائحة في جميع أنحاء البلاد.  وتمخض اجتماعهن عن عدة مبادرات للدعم السريع استهدفت على وجه الخصوص تعزيز قدرة شركات الأعمال الصغيرة التي تمتلكها وتقودها النساء على الاستمرارية، ودعم سلاسل القيمة في مشاريع يستفيد منها حوالي 850 من رائدات الأعمال، وبدء نقاش حول إنشاء شراكات استراتيجية مع شركات الأعمال الكبرى في القطاع الخاص من أجل تعزيز ريادة النساء لأعمال في سياق الجائحة وما بعدها.

وأدركت الزميلات أن أفكارهن تلك لم تكن لتؤتي ثمارها لو لم يأخذوا على عاتقهن شق الطريق لكي ترى النور واستقطاب دعم الإدارة لوضع تلك الأفكار محل التنفيذ. وما هذا سوى مثال واحد ضمن أمثلة عديدة في جميع أنحاء منطقة الدول العربية لمبادرات ما كانت لتبدأ إلا بالإصغاء لأفكار النساء وتمكينهن من قيادة دفة العمل.