كيف تعمل منطقة الدول العربية على توسيع نطاق العمل المناخي؟

17 مارس 2022

Photo: Said Fadhaye / UNDP Somalia

تحدّثنا إلى كيشان خوداي، رئيس الفريق الإقليمي "للطبيعة والمناخ والطاقة" في المركز الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عمان، حول الأولويات الإستراتيجية لدول المنطقة.

1. منطقة الدول العربية إحدى أكثر المناطق تضرّرًا من أزمة المناخ. من واقع خبرتك الطويلة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ما برأيك المشكلات الرئيسية التي ستواجهها دول المنطقة خلال العقود المقبلة؟

يشكّل التغيُّر المناخي أكبر التحديات التي واجهتها منطقة الدول العربية على الإطلاق. حيث استمرت درجات الحرارة في المنطقة في الارتفاع بسرعة أكبر من المتوسط العالمي، مع إمكانية زيادة 5 درجات مئوية على مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2100. وتعتمد المنطقة اعتمادًا كبيرًا على الواردات الغذائية، كما أن مواردها المائية المتجددة معرّضة لضغط متزايد، ويمكن أن تنخفض بنسبة 20 في المئة بحلول عام 2030. إن هاجس التشرّد الناجم عن تغيُّر المناخ الذي سيعاني منه ملايين الأشخاص في المنطقة في العقود المقبلة أصبح حقيقيًا للغاية.

2.  نعلم أن أزمة المناخ يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوتّرات المجتمعية والتشرّد والصراع. ماذا يمكننا فعله للحدّ من هذه المخاطر في المنطقة؟

نعم، لقد أدى تغيُّر المناخ بالفعل إلى تسريع الأزمات الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، شهدت المنطقة في السنوات التي سبقت الانتفاضات العربية قبل عقد من الزمان واحدة من أسوأ دورات الجفاف الممتدة منذ ما يقرب من 1000 عام، حيث تلاقت مع حركات اجتماعية أوسع نطاقًا للتغيُّر وتأثيرات أزمات الغذاء، والوقود، والتمويل العالمية.

واليوم، نفس دول المنطقة التي تشهد صراعًا وتشرّدًا تُعدّ كذلك من بين الدول الأكثر تعرّضًا لخطر تغيُّر المناخ. هناك ضرورة متزايدة لتعميم العمل المناخي بوصفه جزءًا من جهود التعافي من الأزمة، مع استعادة الزراعة المتحملة لتغيّر المناخ، والمزارع السمكية، والبنية التحتية الحضرية لما في ذلك من أهمية للتعافي في أوضاع ما بعد الصراع والأزمات طويلة الأمد.

وعلى أرض الواقع في الدول الهشّة في المنطقة، وسع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نطاق الدعم في السنوات الأخيرة لمساعدة البلدان على إدارة الخطر متعدد الأبعاد وإعادة البناء بشكل أفضل في حالات الصراع والتشرّد. يتضمن ذلك مبادرات جديدة حول تغيُّر المناخ في أماكن مثل العراق، وفلسطين، والصومال، والسودان، وسوريا، واليمن؛ حيث نساعد البلدان على تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) وتوسيع نطاق العمل المناخي مع الفوائد المشتركة للتنمية؛ من أجل تحقيق أهداف أوسع نطاقًا لمنع الأزمات والتعافي منها.

3.   يتمثّل أحد التحديات في تنفيذ العمل المناخي على نطاق واسع في الاضطرار إلى توفير حلول منخفضة الكربون عبر قطاعات الاقتصاد بأكملها. كيف تعمل دول المنطقة مع القطاع الخاص لإدارة المرحلة الانتقالية؟

تستضيف منطقة الدول العربية أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، إلا أن ما يقرب من سبعة في المئة فقط من الطاقة الكهربائية في المنطقة في الوقت الحالي تأتي من الطاقة المتجددة، وما يتراوح بين واحد واثنين في المئة فقط من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. وسيكون التحوّل من مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز إلى الطاقة النظيفة أحد أعظم فرص السوق في السنوات المقبلة. تظهر بهذا الصدد بعض الإشارات الإيجابية. ففي السنوات الأخيرة، نجحت دول المنطقة في توسيع مجال استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عشرة أضعاف، من 0.5 جيجاواط فقط في عام 2008 إلى ما يقرب من 7.2 جيجاواط في عام 2018، بينما أدت المزادات الأخيرة إلى انخفاض أسعار الطاقة الشمسية عالميًا. ويُعدّ هذا المسار التصاعدي، الذي لا يزال في مرحلة أولية، تطورًا إيجابيًا ويمكن للمنطقة البناء عليه، بما في ذلك من خلال شراكات القطاع الخاص.

 أيضًا من الأسس الهامة لهذا العمل تعزيز خطط العمل على المساهمات المحددة وطنيًا وخطة العمل الوطنية للطاقة المتجددة التي اعتمدتها البلدان في جميع أنحاء المنطقة في السنوات الأخيرة. ومن خلال هذه العمليات وغيرها، نشأت أهدافًا أكثر طموحًا وسياسات مبتكرة كأساس لجذب الاستثمارات الخاصة، وإعادة تشكيل إعانات دعم الطاقة، وإنشاء مؤسّسات الطاقة المتجددة والصناديق الوطنية، وتجربة مناطق تنمية الطاقة المتجددة. يبلغ الهدف التراكمي الإقليمي الحالي لسعة الطاقة المتجددة الوصول إلى 190 جيجاواط بحلول عام 2035 - أي بزيادة قدرها 26 ضعفًا عن مستويات عام 2018!

 سيتطلّب تحقيق هذه الرؤية تهيئة بيئة تمكينية قوية على الصعيد القطري، بما في ذلك تعزيز السياسات التي تحدّ من مخاطر المستثمرين و/أو تحوّلها. ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتوسيع نطاق دعمه لمساعدة الدول على تحديد الحواجز والمخاطر التي تعوق الاستثمار الخاص في الطاقة المتجددة ووضع سياسات للحدّ من هذه المخاطر، ويحفّز استثمارات القطاع الخاص على نطاق واسع.

 في حين أن جزءًا كبيرًا من نمو الطاقة المتجددة في المنطقة حتى الآن كان في منشآت الطاقة الشمسية الكبيرة التي تهدف إلى تنويع الطاقة على الصعيد الوطني، لا تزال هناك ثغرات كبيرة في ضمان حصول الفقراء على الطاقة المستدامة، الذين ازدادت أعدادهم بسرعة في السنوات الأخيرة بسبب الصراع، والتشرّد، والعواقب الاقتصادية لوباء كوفيد-19. واستجابةً لذلك، وسع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضًا شراكاته المحلية في مجال الطاقة المستدامة لنشر حلول لا مركزية مثل الشبكات الشمسية المصغّرة، وحلول غير موصَّلة بشبكة لتوسيع نطاق الحصول على الطاقة في أماكن مثل مصر، ولبنان، وفلسطين، والصومال، والسودان، واليمن، مع تحقيق نتائج محددة نحو تمكين المرأة.

4.  توحي الكثير من الأنشطة المناخية إلى أن مؤتمر الأطراف 26 لم يصل حتى الآن إلى مستوى الضرورة القصوى اللازم. برأيك، ما الذي يعنيه مؤتمر الأطراف 26 لدول المنطقة؟

شهد مؤتمر الأطراف 26 العديد من النتائج المهمة المتعلقة بالمنطقة. ففي الفترة التي سبقت مؤتمر الأطراف 26، قامت سبع دول وهم (العراق، والأردن، ولبنان، والمغرب، والصومال، والسودان، وتونس) بتنمية وتقديم المساهمات المحددة وطنيًا المعزّزة بمساعدة تقنية من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأمر الذي أدى إلى زيادة طموحها عبر أهداف التخفيف من حدة المناخ والتكيّف معه. ويشكّل ميثاق غلاسكو للمناخ الذي أعلن عنه في مؤتمر الأطراف 26 أساسًا هامًا للتعجيل بتنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا في المنطقة، من خلال زيادة التمويل المناخي وتوفير التكنولوجيا المبتكرة وبناء القدرات.

 كما أن الحاجة إلى زيادة تمويل التكيّف مع تغيّر المناخ للدول المعرّضة للخطر هي أيضًا أحد أهم محاور التركيز الرئيسية في مؤتمر الأطراف 26. وبوصفه أحد البؤر الساخنة لمخاطر المناخ في العالم، يُعدّ هذا جدول أعمال بالغ الأهمية لمنطقة الدول العربية.  ومن المحتّم أن يزيد مؤتمر الأطراف 27 في مصر من التركيز على هذه المسألة. فعلى الرغم من إحراز تقدّم على الصعيد العالمي في السنوات الأخيرة في حشد الاستثمارات العامة والخاصة للتخفيف من حدة المناخ والتحول للطاقة النظيفة، إلا أن التقدم المحرز كان أقلّ نحو التكيّف مع المناخ. يقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم لسبع دول في المنطقة لوضع خطط التكيف الوطني والمساعدة في عقد جيل جديد من مبادرات التكيّف المعزّزة؛ من أجل تنمية القدرة على التكيّف مع المناخ بدعم من الصندوق الأخضر للمناخ، وصندوق أقلّ البلدان نموًا، ومبادرة المناخ الدولية لألمانيا، وشركاء آخرين.

5.  من المقرر أن يُعقد مؤتمر الأطراف 27 في مصر، وأن يُعقد مؤتمر الأطراف 28 في الإمارات العربية المتحدة (UAE). وبالتالي، ستكون المنطقة في موقع قيادي بارز في مجال المناخ خلال العامين المقبلين. ما نوع العمل الذي نتوقع رؤيته في السنوات القادمة؟

إن قرار عقد مؤتمر الأطراف 27 في مصر في عام 2022، ومؤتمر الأطراف 28 في الإمارات العربية المتحدة في عام 2023 يأتي في لحظة حرجة تتزامن مع تسارع تأثيرات المناخ في المنطقة، واتساع نطاق الحاجة إلى التكيّف مع المناخ، واتساع المرحلة الانتقالية نحو الطاقة النظيفة. ونشهد حاليًا مزيدًا من الطموح في جميع أنحاء منطقة الدول العربية للارتقاء إلى مرحلة انتقالية منخفضة الكربون وقادرة على تحمّل تغيّر المناخ، مع توفير مؤتمر الأطراف 27، ومؤتمر الأطراف 28 فرصة حاسمة للدعوة إلى اتخاذ إجراءات تحويلية وتوسيع دائرة الدعوة إلى التغيير.

بشكلٍ عام، سيكون طريق الوصول إلى مؤتمر الأطراف 27 ومؤتمر الأطراف 28 فرصة فريدة لإبراز مكانة منطقة الدول العربية كبؤرة ساخنة لمخاطر المناخ العالمية وأولوية قصوى لاستثمارات التكيّف مع المناخ، بالإضافة إلى شريك مهمّ -  أو بشكل أوضح، شريك أساسي - للتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

***

من خلال الوعد المناخي وغيره من المبادرات، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع البلدان في منطقة الدول العربية على النهوض بأجندات تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا، واغتنام الفرص لزيادة التمويل والتكيّف مع المناخ، ووضع سياسات لتحسين إدارة المخاطر المتقاربة للصراع وتغيّر المناخ.